فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها}
لمّا أعقب المنافقين بذكر ما وعدهم به من نار جهنم، أعقب المؤمنين بذكر ما وعدهم به من نعيم الجنان.
ولما كان قوله: {سيرحمهم الله} وعدًا إجماليًا فصله هنا تنبيهًا على أنّ تلك الرحمة هي هذه الأشياء، ومساكن طيبة.
قال ابن عباس: هي دور المقربين.
وقيل: دور في جنات عدن مختلفة في الصفات باختلاف حال الحالين بها.
وقيل: قصور زبرجد ودر وياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمسمائة عام في أماكن إقامتهم.
وفي الحديث: «قصر في الجنة من اللؤلؤ فيه سبعون دارًا من ياقوته حمراء، وفي كل دار سبعون بيتًا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرًا» وذكر في آخر هذا الحديث أشياء، وإن صحّ هذا النقل عن الرسول وجب المصير إليه.
في جنات عدن أي: إقامة.
وقال كعب الأحبار: هي بالفارسية الكروم والأعناب.
قال ابن عطية: وأظن هذا ما اختلط بالفردوس.
وقال ابن مسعود: عدن بطنان الجنة وشرقها، وعنه: وسط الجنة.
وقال عطاء: نهر في الجنة، جنانه على حافيته.
وقال الضحاك وأبو عبيدة: مدينة الجنة، وعظمها فيها الأنبياء والعلماء والشهداء وأئمة العدل والناس حولهم بعد، والجنات حولها.
وقال الحسن: قصر في الجن لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، ومدتها صوته.
وعنه: قصور من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد.
وروى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عدن دار الله التي لم ترها عين ولم تخطر على قلب بشر، ولا يسكنها غير ثلاثة: النبيون، والصديقون، والشهداء يقول الله تعالى: طوبى لمن دخلك» وإن صحّ هذا عن الرسول وجب المصير إليه.
وقال مقاتل: هي أعلى درجة في الجنة.
وقال عبد الله بن عمرو: قصر حوله البروج والمروج، له خمسة آلاف باب، على كل باب خيرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.
وقي: قصته الجنة فيها نهر على حافتيه بساتين.
وقيل: التسنيم، وفيه قصور الدر والياقوت والذهب، والأرائك عليها الخيرات الحسان، سقفها عرش الرحمن لا ينزلها إلا الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، يفوح ريحها من مسيرة خمسمائة عام.
وهذه أقوال عن السلف كثيرة الاختلاف والاضطراب، وبعضها يدل على التخصيص وهو مخالف لظاهر الآية، إذ وعد الله بها المؤمنين والمؤمنات.
وقال الزمخشري: وعدن علمٌ لقوله تعالى: {جنات عدن التي وعد الرحمن عباده} ويدل عليه ما روى أبو الدرداء، وساق الحديث المتقدم الذكر عن أبي الدرداء، وإنما استدل بالآية على أنّ عدنًا علم، لأن المضاف إليها وصف بالتي وهي معرفة، فلو لم تكن جنات مضافة لمعرفة لم توصف بالمعرفة ولا يتعين ذلك، إذ يجوز أن تكون التي خبر مبتدأ محذوف، أو منصوبًا بإضمار أعني: أو أمدح، أو بدلًا من جنات.
ويبعد أن تكون صفة لقوله: الجنة للفصل بالبدل الذي هو جنات، والحكم أنه إذا اجتمع النعت والبدل قدم النعت، وجيء بعده بالبدل.
وقرأ الأعمش {ورضوان}: بضمتين.
قال صاحب اللوامح: وهي لغة، {ورضوان} مبتدأ.
وجاز الابتداء به لأنه موصوف بقوله: {من الله}، وأتى به نكرة ليدل على مطلق أي: وشيء من رضوانه أكبر من كل ما ذكر.
والعبد إذا علم برضا مولاه عنه كان أكبر في نفسه مما وراءه من النعيم، وإنما يتهيأ له النعيم بعامه برضاه عنه.
كما أنه إذا علم بسخطه تنغصت حاله، ولم يجد لها لذة.
ومعنى هذه الجملة موافق لما روي في الحديث: «أن الله تعالى يقول لعباده إذا استقروا في الجنة: هل رضيتم؟ فيقولون: وكيف لا نرضى يا ربنا؟ فيقول: إني سأعطيكم أفضل من هذا كله رضواني، أرضى عنكم فلا أسخط عليكم أبدًا» وقال الحسن: وصل إلى قلوبهم برضوان الله من اللذة والسرور ما هو ألذ عندهم وأقر لأعينهم من كل شيء أصابوه من لذة الجنة.
قال ابن عطية: ويظهر أن يكون قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر}، إشارة إلى منازل المقربين الشاربين من تسنيم، والذين يرون كما يرى النجم الغائر في الأفق، وجميع من في الجنة راض، والمنازل مختلفة، وفضل الله تعالى متسع انتهى.
وقال الزمخشري: رضاه تعالى هو سبب كل فوز وسعادة انتهى.
والإشارة بذلك إلى جميع ما سبق، أو إلى الرضوان قولان، والأظهر الأول. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ}
يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها أبدا، {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} أي: حسنة البناء، طيبة القرار، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن».
وبه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للمؤمن في الجنة لَخَيْمَة من لؤلؤة واحدة مُجَوَّفة، طولها ستون ميلا في السماء، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، لا يرى بعضهم بعضا» أخرجاه.
وفي الصحيحين أيضا، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة وصام رمضان، فإن حقا على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها».
قالوا: يا رسول الله، أفلا نخبر الناس؟ قال: «إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تَفَجَّر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن».
وعند الطبراني والترمذي وابن ماجه، من رواية زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول... فذكر مثله.
وللترمذي عن عبادة بن الصامت، مثله.
وعن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون الغُرفة في الجنة، كما تراؤون الكوكب في السماء». أخرجاه في الصحيحين.
ثم ليعلم أن أعلى منزلة في الجنة مكانٌ يقال له: الوسيلة لقربه من العرش، وهو مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة، كما قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرازق، أخبرنا سفيان، عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صليتم علي فسلوا الله لي الوسيلة» قيل: يا. رسول الله، وما الوسيلة؟ قال: «أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو».
وفي صحيح مسلم، من حديث كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جُبَير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أنى أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة».
وفي صحيح البخاري، من حديث محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة».
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني، حدثنا موسى بن أعين، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا- أو شفيعا- يوم القيامة».
وفي مسند الإمام أحمد، من حديث سعد أبي مجاهد الطائي، عن أبي المدله، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قلنا: يا رسول الله، حدثنا عن الجنة، ما بناؤها؟ قال: «لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه».
وروي عن ابن عمر مرفوعا، نحوه.
وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لغُرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها». فقام أعرابي فقال: يا رسول الله، لمن هي؟ فقال: «لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» ثم قال: حديث غريب.
ورواه الطبراني، من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الأشعري، كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه وكل من الإسنادين جيد حسن، وعنده أن السائل هو أبو مالك، فالله أعلم.
وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل مُشَمِّر إلى الجنة؟ فإن الجنة لا خَطَر لها، هي- ورب الكعبة- نور يتلألأ وريحانة تَهْتَزّ، وقصر مَشيدٌ، ونهر مُطَّرد، وثمرة نَضِيجة، وزوجة حسناء جَميلة، وحُلَل كثيرة، ومقام في أبد، في دار سليمة، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية».
قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها، قال: «قولوا: إن شاء الله». فقال القوم: إن شاء الله. رواه ابن ماجه.
وقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} أي: رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم، كما قال الإمام مالك، رحمه الله، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله، عز وجل، يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك، والخير في يدك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تُعط أحدا من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» أخرجاه من حديث مالك.
وقال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي: حدثنا الفضل الرُّخاميّ، حدثنا الفِرْياني، عن سفيان، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله، عز وجل: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: يا ربنا، ما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر».
ورواه البزار في مسنده، من حديث الثوري وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه صفة الجنة: هذا عندي على شرط الصحيح، والله أعلم. اهـ.